“الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمى هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا”، و “لكل فرد الحق فى الحياة والحرية وسلامة شخصه”، هكذا نصت المادتين السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والثالثة من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، واللتان تؤكدان على أن الحق في الحياة والسلامة الشخصية هما حقان مكفولان لكل مواطن، ليس على الدولة أن تكفلهما وحسب، بل عليها أن تعمل على الحفاظ عليهما وعدم السماح بحرمان أى شخص منهما بشكل تعسفي، ولكن يبدو أن تلك القوانين والمعاهدات الدولية لم تعد تتعدى حيز الشعارات التي تتغني بها السلطات المصرية الحالية، في ذات الوقت الي تقوم فيه أجهزتها الأمنية والقضائية بانتهاك تلك القوانين والحقوق بل وسلبها، فاليوم، العاشر من أكتوبر وفى ذكرى اليوم العالمي الثالث عشر لمناهضة عقوبة الإعدام، نجد أن أحكام الإعدام التي صدرت من الأجهزة القضائية للسلطات الحالية تتزايد وبشكل مستمر، وكالعادة كان لطلاب الجامعات المصرية نصيبٌ وافر منها.
كان أول الطلاب الذين صدر بحقهم هذا الحكم هو “إبراهيم يحيى العزب” الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الصيدلة جامعة المنصورة، والذي صدر بحقه حكم غيابي من محكمة جنايات المنصورة بالإعدام شنقًا، وذلك قبل أن يتم اعتقاله اعتقالًا تعسفيًا مخالفًا للقانون في يوم الأربعاء الموافق 2014/3/5 من منزله بمدينة المنصورة، ليتم بعدها إخفاؤه قسريًا لعدة أيامٍ تأكد تعرضه فيها للتعذيب الشديد بالضرب المبرح، الصعق بالكهرباء، والتعليق من الأطراف، في انتهاكٍ فجٍ للقوانين الداخلية والعالمية، ومن ثم ظهر الطالب بعد أيام بملابس ممزقة وقد بدت عليه آثار التعذيب، ظهر ليدلي باعترافات تفيد بقيامه بتكوين خلية إرهابية، وذلك في أحد مقاطع الفيديو التي بثتها وزارة الداخلية المصرية، ليصدر القرار بإعادة محاكمة الطالب في الجرائم التي اعترف بها تحت التعذيب، دون أى تحقيقات فيما وقع بحقه من جرائم بإخفائه قسريا وتعذيبه.
ولم تذهب جامعة المنصورة بعيدًا ، فها هو “عبدالرحمن عطية هلال بيومي” الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الصيدلة جامعة المنصورة، والذي تم اعتقاله اعتقالًا تعسفيًا دون تصريح في فبراير الماضي، وذلك من مطار القاهرة الدولي قبل سفره لزيارة أسرته بالمملكة العربية السعودية، حيث تم إخفائه قسريًا هو الآخر لمدة 13 يوم، تعرض خلالها للعديد من أشكال الانتهاك والتعذيب النفسي والبدني بمقر الأمن الوطني بالقاهرة، مما أدى إلى تدهور حالته الصحية خلال تلك الفترة، حيث أصيب الطالب بمرض السكري، ودون التفات لأى من تلك الانتهاكات، قامت النيابة العامة عقب ظهور الطالب باتهامه بعدة تهم – في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية “خلايا الردع الإخوانية” – من أبرزها : الشروع فى قتل المواطنين، استهداف المنشآت الأمنية والقوات المسلحة، تعريض سلامة وأمن المجتمع للخطر، التسلل إلى قطاع غزة، تلقى دورات عسكرية على يد كتائب القسام، والقتل العمد، والتي تم على إثرها إحالته إلي محكمة الجنايات التي قضت في يوم الإثنين الموافق 16/3/2015 بإحالة أوراقه إلى فضيلة المفتي، ومن ثم تأييد الحكم عليه.
وبعد أحكام الإعدام تلك، قررت السلطات الحالية أن تبدأ في تنفيذ أحد تلك الأحكام، ليكون أول طالب مصري يُقتل شنقًا على إثر تلك الأحكام هو “عبد الرحمن سيد رزق” الطالب بالمرحلة الثانوية والبالغ من العمر 19 عام، وأحد المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية “عرب شركس”، والتي وقعت أحداثها في التاسع عشر من مارس عام 2014، وعلي الرغم من اعتقال الطالب في السادس عشر من مارس من عام 2014 من أحد الشوارع بمدينة السادس من أكتوبر، أى قبل وقوع أحداث تلك القضية التي تم اتهامه بها بأيام، إلا أنه تم إدراجه وآخرين في تلك القضية دون تفسير منطقي من قبل الأجهزة الأمنية أو القضائية عن كيفية ارتكاب الطالب الجرائم المنسوبة إليه في نفس الوقت الذي كان معتقلا فيه، مما أثار شكوكا واستفهامات عديدة حول حقيقة تلك الاتهامات ونزاهة المحاكمة.
وفي الحادي والعشرين من أكتوبر عام 2014، قضت محكمة الهايكستب العسكرية بإحالة أوراق الطالب وخمسة آخرين إلي فضيلة المفتي، ذلك الحكم الذي قامت هيئة الدفاع بالطعن عليه، لتقضي المحكمة العسكرية العليا برفض النقض وتأييد حكم الإعدام في يوم الثلاثاء الموافق 24/3/2015، ومن ثم يتم تنفيذ حكم الإعدام في يوم الإثنين الموافق 18/5/2015، علي الرغم من تلك الثغرات، وعلى الرغم من قيام دفاع الطالب بتقديم أدلة عدة تثبت براءته، دون أدنى التفات لها.
وكان آخر الطلاب الذين صدر بحقهم حكم حضوري بالإعدام هو “مصطفي حمدي” الطالب بكلية الإعلام جامعة القاهرة، بالإضافة إلى “مصعب مجدي” الطالب بالفرقة الثالثة قسم عمارة بمعهد حبيبة والذي صدر بحقه حكم (غيابي) بالإعدام في نفس القضية.
وعن الطالب “مصطفى حمدي“، فقد قامت قوات الأمن باعتقاله تعسفيًا دون تصريح، ومن ثم تم اقتياده إلى جهة غير معلومة حيث ظل قيد الإخفاء القسري لأيام، تعرض فيها لعمليات تعذيب وصفت بأنها “لا أخلاقية” قبل أن تكون لا إنسانية أو قانونية، فمن الإهانات والضرب المبرح، إلى الصعق بالكهرباء والإعتداء الجنسي، بل والتهديد بإيذاء ذويه، وذلك وفقا لرسالة أرسلها الطالب من محبسه يروي فيها تفاصيل ما تعرض له من تعذيب عقب اعتقاله، كما ذكر الطالب في رسالته أنه قد اعترف بالتهم الموجهة عليه عقب قيام قوات الأمن بتهديده بإيذاء أفراد أسرته، وعلى إثر ذلك اعترف الطالب بعدة تهم من أهمها : حرق النيابة الإدارية بمدينة 6 أكتوبر، بالإضافة إلى توجيه اتهام آخر له بتأسيس حركة “أولتراس ربعاوي” المناهضة للنظام الحالي بمدينة 6 أكتوبر، ومن ثم على إثر تلك الاعترافات، ودون أى تحقيق من قبل النيابة في جريمتي الإخفاءالقسري والتعذيب التي تعرض لهما الطالب، تم حبسه على ذمة التحقيقات حتى تمت إحالته إلي محكمة الجنايات في القضية رقم 3612 لسنة 2014، والتي صدر فيها الحكم بالإعدام بحق الطالب، ومن ثم تم تثبيت الحكم.
مرة أخرى تتصدر جامعة المنصورة، حيث حكم بالإعدام بحق 9 أشخاص من بينهم 4 طلاب بجامعة المنصورة – من بينهم الطالب “إبراهيم العزب” – وطالب بجامعة الأزهر، حُكم عليهم جميعًا بالإعدام في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية “قتل الحارس” والتي تم اتهامهم فيها بعدة تهم من أبرزها : قتل “عبد الله عبد الله متولي” وهو حارس عضو اليمين في هيئة محاكمة الرئيس الأسبق محمد مرسي، حيازة مفرقعات وأسلحة، الانضمام إلى جماعة محظورة أسست على خلاف القانون، الانضمام إلى جماعة إرهابية تدعو إلى التكفير، ومن ثم على إثرها صدر الحكم بالإعدام بحق كل من :
1- محمود ممدوح وهبة، الطالب بالفرقة الثانية بكلية الهندسة ــ جامعة المنصورة.
2- عبدالرحمن عطية، الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الطب ــ جامعة الأزهر.
3- محمد العدوي، الطالب بكلية الآداب ــ جامعة المنصورة.
4- إبراهيم يحيى العزب، الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الصيدلة ــ جامعة المنصورة.
5- أحمد الوليد الشال، تكليف طب المنصورة.
وكانت قوات الأمن قد قامت باعتقال الطلاب الخمسة بشكل تعسفي مخالِف للقانون دون تصريح أو أمر قضائي مٌسبب بالاعتقال، وذلك في أوائل شهر مارس عام 2014 من أماكن متفرقة، حيث تم اقتيادهم جميعًا إلى أماكن غير معلومة لأىٍ من ذويهم أو محاميهم، حيث تعرضوا للإخفاء القسري لمدد متفاوتة، ثبت فيما بعد ــ ووفقًا لما وردنا عن ذوي الطلاب ــ تعرضهم فيها للتعذيب الشديد بمقر جهاز الأمن الوطنى، لإجبارهم على الاعتراف بتهمٍ لم تقدم الأجهزة الأمنية أدلة موضوعية تؤكد إدانة الطلاب بها، ليظهر بعدها عدد من الطلاب في مقاطع فيديو صورتها لهم وزارة الداخلية، ظهروا فيها بوجوه متورمة، ملابس ممزقة وجروح لم تبرأ بعد، ليدلوا باعترافات صريحة بارتكابهم جرائم عديدة كان أبرزها قتل رقيب شرطة بمديرية أمن الدقهلية.
وعلى الرغم من إخبار الطلاب للنيابة العامة بأن الاعترافات التي صدرت منهم كانت تحت التعذيب الشديد، إلا أن النيابة لم تهتم بعرضهم على الطب الشرعي أو التحقيق في جرائم التعذيب التي وقعت بحقهم، بل أمرت مباشرة بحبسهم احتياطيًا على ذمة التحقيقات في التهم المنسوبة إليهم، حتى تمت إحالتهم إلى محكمة الجنايات في يوم الأحد الموافق 2014/6/15، وعلى الرغم من أن أحراز القضية تكاد تكون منعدمة، بالإضافة إلى إثبات محامى الطلاب بطلان معظم الأدلة، إلا أن جنايات المنصورة برئاسة المستشار “أسامة عبدالظاهر” قضت بإحالة أوراقهم للمفتى والتصديق على حكم إعدامهم في القضية.
وفي إطار تلك الوقائع فإننا بمرصد “طلاب حرية”ندين تلك الانتهاكات بحق الطلاب، ونطالب بايقاف عقوبة الاعدام في مصر نظرا لتزايد استخدامها بشكل مسيس وخطير وفي احكام جماعية قد تودي الي مجازر تحت اسم القانون .
كا نطالب بإعادة التحقيق في الثغرات القانونية للقضايا المتهم بها الطلاب، وعدم غض الطرف عمّا تعرض له الطلاب من انتهاكات جسيمة بحقهم، والتي تم على إثرها إجبارهم على الاعتراف بجرائم لم تتوافر الأدلة الكافية لإدانتهم بها، ومن ثم اتخاذ تلك الاعترافات كدليل يدين الطلاب، بما في هذا من مخالفة واضحة لمواد الدستور المصري، ولذا فإننا نطالب بفتح تحقيق عاجل في جرائم الإخفاء القسري والتعذيب الذي وقعت بحق الطلاب، ومحاسبة المتورطين بها من الأجهزة الأمنية والمتسترين عليها من جهاز النيابة العامة والأجهزة القضائية وتقديمهم إلى محاكماتٍ عادلة.
كما ويؤكد المرصد إدانته التامة لما آلت إليه حقوق الإنسان في مصر في ظل النظام الحالي، من قمع للحريات وتزايد لأحكام الإعدام بحق المعارضين السياسين للنظام، دون أدلة دامغة تثبت جرمهم .
التعليقات