ضابطٌ بقسم أول المنصورة يخبرُ طالبًا أثناء تعذيبه “احنا عارفين إن ملكش علاقة بالقضية دي بس لازم نقفلها علشان نخلص”
الطالبين أُجبرا على الاعتراف تحت التهديد بإيذاء شقيقاتهما
قرارُ إحالة أوراق الطالبين إلى المفتي هو القرار العاشر بحق طلاب الجامعات المصرية منذ الثالث من يوليو
أصدرت محكمة جنايات المنصورة أمس الأحد الموافق 22 مايو 2016 قرارًا بإحالة أوراق 5 متهمين من بينهم طالبين جامعيين إلى مفتي الجمهورية تمهيدًا لإصدار حكم بالإعدام بحقهم، وحددت جلسة النطق بالحكم في السابع عشر من يوليو القادم، وجاءت الإحالة على خلفية اتهامهم بقتل نجل المستشار “محمود السيد المورلي” نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة والذي قُتِل أمام جراج منزله بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية في شهر سبتمبر من عام 2014.
حيث تم حضوريًا إحالة أوراق الطالبين بجامعة المنصورة : “أحمد ماهر أحمد الهنداوي فايد” الطالب بالفرقة الثالثة بقسم ميكانيكا إنتاج بكلية الهندسة، و”المعتز بالله محمد غانم” الطالب بكلية التجارة، بالإضافة إلى “عبدالحميد عبدالفتاح متولي” الذي يبلغ من العمر 42 عامًا، ويمتلك شركة كمبيوتر، كما صدر نفس الحكم غيابيًا بحق متهميْن آخريْن.
وكانت نيابة أول المنصورة قد قررت في شهر ابريل من عام 2015 إحالة القضية رقم 200 لسنة 2015 كلى جنوب المنصورة إلى محكمة الجنايات بعد توجيه عدة اتهامات للمتهمين الثلاثة، حيث وجهت إليهم جميعًا تهمة الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون، كما تم اتهام الطالب “أحمد ماهر” بقتل “محمد محمود السيد محمود” نجل نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، وتم اتهام “المعتز بالله ” بالمساعدة في ارتكاب جريمة القتل بالجانب الفكري مستغلا إطلاعه الديني، كما وجهت إلى “عبدالحميد المتولي” تهمة المساعدة في ارتكاب الجناية بتوفير المأوى والأموال ووسائل التنقل – وذلك بحسب أمر الإحالة -.
وكانت وزارة الداخلية المصرية قد أذاعت مقطع فيديو للطالب “أحمد ماهر” وهو يدلي باعترافاتٍ بشأن قيامه بقتل “محمد محمود السيد المورلي”، كما احتوى الفيديو على مشهد قام خلاله الطالب بتمثيل ملابسات قيامه بجريمة القتل باعتباره المنفذ المباشر، وهو ما اعتبرته الأجهزة الأمنية دليلا قاطعا واعترافًا بارتكابه الجريمة.
وبالإطلاع على وبحث أوراق القضية والأحراز والأدلة التي اعتمدتها الأجهزة الأمنية لإدانة المتهمين، تبيّن عدم معقولية الأدلة والأحراز التي تم الاستناد عليها، والتي تُشير جميعها إلى أن القضية ما هى إلا قضية تم تلفيقها للمتهمين الثلاثة دون تحقيقات جادة أو أدلة موضوعية.
اعتمدت المحكمة في إدانة المتهمين بشكل أساسي على الاعترافات التي أدلوا بها، دون التفات لكَمّ الضغوطات والتعذيب التي تعرضوا لها لإجبارهم على الاعتراف بتلك الاتهامات، والتي أنكروها فيما بعد مؤكدين صدورها تحت التعذيب الشديد، إلا أن النيابة العامة والأجهزة القضائية لم تُعر تلكَ التصريحات أى اهتمام، ولم تقم بأى تحقيق حيالها.
حيث كان “المعتز بالله غانم” – وهو أول من تم اعتقاله من المتهمين الثلاثة – قد أرسل في فبراير 2015 رسالة من محبسه يروي فيها تفاصيل اعتقاله وما تعرض له من تعذيب أُجبرَ على إثره على الاعتراف بالاتهام المنسوب إليه وعلى الإدلاء باعترافات عن تورط المتهميْن الآخريْن في ارتكاب الجريمة على الرغم من تأكيده على عدم معرفته السابقة بهما، وذكر “غانم” في رسالته أنه اعتقل من منزله رابع أيام عيد الأضحى، تحديدًا في يوم السبت الموافق 11 أكتوبر 2014، وتم اقتياده إلى مقر قسم “أول المنصورة” وهناك تعرض لعمليات تعذيب وحشية بالضرب المميت – على حد وصفه، والصعق بالكهرباء خاصة في الأذن وأصابع الأيدي والقدمين، وأوضح الطالب في رسالته أن كلا من “شريف أبو النجا” وهو رئيس مباحث قسم أول المنصورة، و”محمد هيت” و”محمد السعيد عبدالهادي” وهما ضابطان بالقسم، هم من قاموا بتعذيبه طيلة فترة اختفائه، في محاولة لإجباره على الاعتراف بالإفتاء بتنفيذ جريمة القتل، وبأن “أحمد ماهر” هو من قام بتنفيذها بتمويل مادي من “عبدالحميد عبدالفتاح”.
رفض الطالب الإدلاء بتلك الاعترافات ومن ثم قاموا بتهديده باعتقال شقيقاته وأزواجهن وإلحقاء الأذى بهم، وأضاف الطالب أنهم قاموا بكتابة اعترافٍ بالاتهامات الملفقة في ورقة وأجبروه على حفظها والإدلاء بها أمام “السعيد عمارة” مدير مباحث محافظة الدقهلية بمديرية أمن الدقهلية، ومن ثم تم عرضه في مساء نفس اليوم على النيابة العامة أمام المستشار “وائل المهدي” والذي أخبره الطالب أنه لا علاقة له بالقضية وأنه تحت التعذيب منذ قرابة شهر، وأمام هذا التصريح لم يقم المستشار “وائل المهدي” بأى تحقيقات بل هدد الطالب بإرجاعه إلى القسم مرة أخرى وهو ما دفع “غانم” إلى الإدلاء بما أملاه عليه المستشار نفسه الذي أصدر بعدها قرارًا بحبس الطالب 15 يومًا على ذمة التحقيقات بعد أن أجبره على التوقيع على أقواله التي صدرت تحت التعذيب.
بعد ذلك بأسابيع، في الثامن والعشرين من ديسمبر 2014، تم اعتقال “عبدالحميد المتولي” من مطار القاهرة الدولي أثناء استعداده للسفر، وأكدت أسرته تعرضه هو الآخر للإخفاء القسري لعدة أيام تعرض خلالها لعمليات تعذيب ممنهجة بمقر قسم “أول المنصورة” لإجباره على الاعتراف بتمويل جريمة قتل نجل المستشار “المورلي”، ومن ثم تم عرضه بعدها على النيابة العامة وحبسه على ذمة التحقيقات.
أما عن “ماهر” فقد قالت أسرته أنه تم اعتقاله في صباح يوم الخميس الموافق 4 فبراير 2015 من مطار القاهرة الدولي، وتعرض عقب اعتقاله للإخفاء القسري لمدة يومين متتاليين تعرض خلالهما للتعذيب الشديد بمقر قسم أول المنصورة، حيث ذكر الطالب لأسرته أنه تعرض لعمليات تعذيب وحشي بالضرب المبرح والصعق بالكهرباء، والتعليق من الأطراف، وتهديده بإيذاء شقيقته “إسراء” التي كانت معتقلة لدى قوات الأمن المصرية في ذلك الوقت، وتحت تلك الضغوط أدلى الطالب باعترافات كاملة أملتها عليه الأجهزة الأمنية عن تفاصيل قيامه بقتل نجل المستشار “المورللي”، كما تم إجباره على تمثيل الجريمة في مقطع فيديو ظهرت فيه على الطالب آثار تعذيب وإنهاك شديدين.
كلُّ قولٍ يثبت أنه صدر تحت التعذيب أو الترهيب أو حتى التهديد بهما يُهدَرُ ولا يُعوّل عليه، هكذا أقر الدستور المصري الحالي في مادته الخامسة والخمسين، وعليه، فإن جرائم الاختفاء القسري والتعذيب المُثبتة التي تعرض لها المتهمون في القضية وتصريحاتهم بأنهم أجبروا على الاعتراف تحت التعذيب كانت كفيلة بهدم القضية برمّتها، إلا أنه لم يتم فتح تحقيق واحد في تلك الوقائع بتواطئ فجٍ من جهاز النيابة العامة مع الأجهزة الأمنية، وبتخاذلٍ من المحكمة عن القيام بدورها في التحقيق الجاد في تلك الملابسات.
وبالقرارات الصادرة أمس من محكمة الجنايات بإحالة أوراق الطالبين إلى مفتي الجمهورية يرتفع عدد طلاب جامعة المنصورة الذين تمت إحالة أوراق قضاياهم إلى المفتي إلى (7) طلاب، وبهذا يرتفع عدد الطلاب على مستوى جامعات ومعاهد الجمهورية الذين تمت إحالة أوراقهم منذ الثالث من يوليو 2013 إلى (10) طلاب، تم التصديق على حكم الإعدام لـ (6) منهم، فيما لم يتم تنفيذ أى حكم منهم فعليًا حتى اللحظة الحالية.
جديرٌ بالذكر أن معظم قضايا الطلاب التي تم إحالة أوراقها إلى مفتي الجمهورية لا تخلو هى الأخرى من ثغرات قانونية وفقر في الأدلة المادية والأحراز، فضلًا عن جرائم إخفاء قسري وتعذيب ثبت تعرض الطلاب لها لإجبارهم على الاعتراف بالاتهامات الموجهة إليهم، إلا أنها أيضا تم تجاهلها وإصدار قرارات الإحالة التي تم التصديق على عدد منها استنادًا على أدلة واهية.
إن منظمة “طلاب حرية” تؤكد على أن السلطة القضائية المصرية متمثلة في جهاز النيابة العامة والقضاة تشارك بشكل أساسي وبارز في إهدار حق المتهمين وحرمانهم من حقهم المكفول في محاكمات عادلة، حيث إنها وبدلا من إصدار قرارات ببطلان تلك الدعاوي نظرًا للشهادات المُروّعة عن التعذيب وتلفيق الاتهامات بها، فإنها تأمر بحبسهم على ذمة التحقيقات في اتهامات بلا أدلة، بل وتتواطئ مع الأجهزة الأمنية في انتزاع اعترافات تحت التعذيب ثم إصدار أحكام قاسية على خلفية تلك الاعترافات.
وتؤكد منظمة “طلاب حرية” أن قرارات الإحالة لمفتي الجمهورية الصادرة أمس هى استكمالٌ لسلسة أحكام هزلية ومُسيسة أهدرت سنوات عديدة من أعمار الطلاب، بل وأودت ببعضهم إلى الإعدام دون اتهامات حقيقية أو جريرة سوى معارضة النظام المصري.
إن منظمة “طلاب حرية” تدعو أمين عام الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تحقيق في الحادثة لإجلاء حقيقة ملابساته وتقديم المسؤولين عنها للمحاسبة القانونية، كم وتدعو المنظمة المجتمع الدولي إلى ضرورة اتخاذ موقف مع النظام المصري لوقف انتهاكاته المتصاعدة بحق المعارضين.
التعليقات