أقسام الشرطة , مجرد ذكر الاسم أصبح يُنذر بقدر لا يُحصى من الانتهاكات بحق كل من يدفعه القدر للتواجد هناك , لم يتوقف الأمر على ظروف الاحتجاز الغير لائقة إنسانيًا , و التي تنافي كل ما نصّت عليه القوانين والمواثيق الدولية فيما يخص ظروف الاحتجاز , بما فيها ما جاء بالدستور المصري لعام 2014 , في مادته الخامسة والخمسين , بل تعدّى الأمر إلى التعذيب البدني والنفسي للمعتقلين بشتى الوسائل ودون مراعاةٍ لأى قوانين دولية أو محلية , وبشكل غير إنساني قد يؤدي في النهاية إلى الموت.

وفي ضوء ما يقوم به “مرصد طلاب حرية” من رصد وتوثيق الانتهاكات بحق طلاب الجامعات والمعاهد المصرية , جاء هذا التقرير عن أبرز حالات التعذيب التي تمت في بعض أقسام الشرطة ومقارِ الاحتجاز بمختلف المحافظات المصرية , بحق الطلاب الذين تم اعتقالهم منذ الذكرى الرابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير , في نهاية الشهر الماضي :

* “قسم أول المنصورة” :

أو كما أطلق عليه نشطاءٌ على مواقع التواصل الاجتماعي “سلخانة قسم أول المنصورة” , آخر ما وقع به من جرائم التعذيب – وليس أولها- ماحدث بحق طلاب جامعة المنصورة , الذين تم اعتقالهم بشكل تعسفي مخالفٍ للقانون , في الفترة من مساء يوم الثلاثاء الموافق 2015/1/27 وحتى يوم الاثنين الموافق 2015/2/2 , حيث تم اعتقال ما يقرب من 15 طالبًا بالجامعة والمرحلة الثانوية على مدار الستة أيام المذكورة , ليتم اقتيادهم جميعًا إلى مقر “قسم أول المنصورة” , حيث تعرضوا لشتى أنواع التعذيب النفسي والبدني , ابتداءًا من الإهانة اللفظية , والضرب المبرح بالعصي الخشبية والسلاسل الحديدية , وحتى التعليق من الأرجل , والصعق بالكهرباء في جميع أجزاء الجسد , بما فيها الأماكن الحساسة , وذلك لإجبارهم على الاعتراف بتهم معينة.
وبعد أكثر من أسبوع من الإخفاء القسري في تلك الظروف الغير آدمية , فوجئ ذوي الطلاب بعرض أبنائهم على النيابة العامة في الساعة الرابعة من فجر يوم الخميس الموافق 2015/2/5 دون السماح لذويهم أو حتى المحامين برؤيتهم في مخالفة واضحة للقانون , حيث لم يتمكن الأهالي من رؤيتهم إلا في صورة تم التقاطها لهم وقد بدت عليهم آثار الإعياء الشديد , بصحبة بعض الأحراز التي ذكرت الأجهزة الأمنية أنه تم ضبطها معهم , حيث وجهت لهم النيابة العامة تهمة : تكوين خلية إرهابية تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار , ومن ثم قضت النيابة بحبسهم 15 يومًا على ذمة التحقيقات , دون الالتفات إلى آثار التعذيب الواضحة عليهم.

* “قسم شرطة بنى مزار” :

المعروف إعلاميًا باسم “سلخانة مباحث بني مزار” بمحافظة المنيا , كان آخر ما وقع به من جرائم التعذيب ما حدث بحق طلابٍ بجامعة بني سويف والأزهر وأيضًا بالمرحلة الثانوية , والذين تم اعتقالهم بشكل تعسفي مخالِف للقانون في يوم الأربعاء والخميس , منتصف يناير الماضي , ثم تم إخفائهم قسريًا لعدة أيام , تبيّن تعرضهم فيهم لشتى أنواع التعذيب النفسي والبدني بمكان احتجازهم داخل “قسم شرطة بنى مزار” لإجبارهم على الاعتراف بتهم وأحرازٍ معينة , ولم يختلف الأمر كثيرًا , حيث فوجئ ذوي الطلاب بظهورهم في يوم الاثنين الموافق 2015/1/26 , وهم في حالة سيئة للغاية بصحبة بعض الأحراز التي زعمت الأجهزة الأمنية ضبطها معهما , كما وجهت لهم النيابة العامة عدة تهم أبرزها : اثارة الفوضى , وحرق بعض المباني , ومن ثم تم حبسهم 15 يومًا على ذمة التحقيقات.

* “قسم ثانِ الزقازيق” :

والذي اشتُهرَ بما يتم فيه من انتهاكاتٍ لا انسانية بحق المعتقلين , كان آخر وقائع التعذيب به , ماحدث بحق “عبدالله جمال عبدالعظيم الحصري” الطالب بالفرقة الثالثة بكلية الزراعة جامعة عين شمس , ووالده , واللذان تم عتقالهما من المنزل بشكلٍ تعسفي مخالِفٍ للقوانين دونَ تصريحٍ أو أمر قضائي , وذلك مساء الاثنين الموافق 2015/2/2 , ليتم اقتيادهما إلى “قسم ثان الزقازيق” , حيث تم الافراج عن والد الطالب في يوم الثلاثاء الموافق 2015/2/3 , وقد أصيبَ بكسر في يده ورجله نتيجة الضرب المبرح , كما بدت عليه آثار التعذيب الشديد الذي تعرّض له هو والطالب , وبطبيعة الحال , تم عرض الطالب على النيابة العامة في يوم الأربعاء الموافق 2015/2/4 , حيث وجهت له النيابة تهمة الانتماء لجماعة محظورة أسست على خلاف القانون , ومن ثم قررت النيابة العامة في نفس اليوم حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات دون الالتفات لحالة الاعياء الشديدة التي بدى عليها الطالب , والتي تُثبت تعرضه للتعذيب الشديد بمقر “قسم ثان الزقازيق”.

* “قسم شرطة القوصية بأسيوط” :

لم يكن أفضلَ حالًا من باقي أقسام الشرطة المذكورة , فمنذ يوم الخميس الموافق 2015/1/29 وحتى يوم الأحد الموافق 2015/2/1 , تمّ اعتقال مجموعة من الطلاب بالجامعة والمرحلة الثانوية بمحافظة أسيوط , بشكل تعسفي مخالِف للقانون , ليتم اقتيادهم جميعًا إلى “قسم شرطة القوصية” حيث تعرضوا للتعذيب الشديد بالضرب المبرح , والصعق بالكهرباء , لإجبارهم على الاعتراف بتهمٍ وارتكاب وقائع معينة , دون وجود أى دليل على تورطهم بها , ليتم عرضهم على النيابة العامة في يوم الاثنين الموافق 2015/2/3 , والتي وجهت لهم تهمة : حرق سيارتين بمجلس مدينة القوصية , ومن ثم قضت بحبسهم 15 يومًا على ذمة التحقيقات , كما رفضت النيابة تحرير محضر بواقعة تعذيب الطلاب علي الرغم من ظهور آثار التعذيب واضحة عليهم أثناء العرض.

هذه الوقائع ليست إلا غيضٌ من فيض من وقائع الانتهاكات الصارخة بحق طلاب الجامعات والمعاهد المصرية , والتي يقوم “مرصد طلاب حرية” برصدها وتوثيقها يوميًا , ومن هنا ندين وبشدة هذه الانتهاكات المتكررة بحق الطلاب , والتي تنافي كل المواثيق الحقوقية والانسانية , كما نطالب المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الانسان بسرعة التدخل للكشف عن مثل هذه الانتهاكات بمقار الاحتجاز بمختلف المحافظات المصرية وايقافها فورًا , كما ونطالب السلطات المختصة بفتح تحقيق عاجل في تلك الجرائم ومحاسبة المتسببين بها.