منذُ عامٍ وأربعة أشهٍر، تحديدًا في السادس من فبراير عام 2014، توجّه “عبدالرحمن عطية هلال بيومي” الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الصيدلة جامعة المنصورة، إلى مطار القاهرة الدولي قاصدًا السفر إلى ذويه بالمملكة العربية السعودية لأداء العمرة، لينقطع الاتصال به دونَ مقدماتٍ عقب وصوله إلى المطار حيث ظلّ مصيرُ الطالب مجهولًا لمدة تجاوزت العشرة أيام، كما فشلت كل محاولات ذويه للتوصّل إلى مكانه، حتى كان أول اتصال مع ذويه بعد 11 يومًا من الإختفاء ليخبرهم أنه في سجن “العقرب” شديد الحراسة.
لم يتمكن ذوي “عبدالرحمن بيومي” من معرفة ملابسات اختفائه تحديدًا إلا بعد زيارته بعد قرابة الأسبوعين بسجن “العقرب”، زيارةً من وراء حاجز زجاجي يفصل بين الطالب وذويه أخبرهم فيها بما تعرض له خلال فترة اختفائه بداية بتفتيشه واحتجازه بالمطار حتى منتصف الليل، ثم اصطحابه معصوب العينين ومقيد اليدين والقدمين إلي مقر أمن الدولة بوزارة الداخلية للتحقيق معه، ولم يكن هذا التحقيق سوى عمليات من التعذيب بحق الطالب من ضرب مبرح وصعق بالكهرباء في شتى أنحاء الجسد، ليتم اقتياده بعدها إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا ليُعرض على النيابة دون أن يصحبه محامٍ، بل يصحبه ضابط من جهاز أمن الدولة أخبره بوضوحٍ أن “اظبط الكلام أحسن أرجعك تاني”، ليُفاجأ الطالب بأن “الكلام” الذي يجب عليه ضبطه هو الاعتراف بالانضمام إلى خلية إرهابية بمدينة المنصورة أطلق عليها اسم “خلية الردع”.
لم تكن “خلية الردع” إلا اسم لخلية وهمية، حيث لم يُنسب للمتهمين بها – وهم 5 أشخاص من بينهم الطالب – أية عمليات ارهابية، فلا مقتل لشخصيات عامة أو مواطنين ولا استهداف لمنشآت أمنية أو غير أمنية، حيث لم يذكر المحضر تحديدًا ماهية العمليات الإرهابية التي تورطت بها هذه الخلية، لذا لم يتوقع أحد أن يقوم المستشار “أسامة عبدالظاهر” بإحالة أوراق الطالب ورفاقه في القضية إلي فضيلة المُفتي، وذلك في السادس عشر من مارس عام 2015، وتأجيل النُطق بالحُكم إلي جلسة 22 من شهر يونيو من نفس العام.
إذن، حكمٌ بالإعدام في القضية رقم (14950) لسنة 2013 , ( 190 لسنه 2014 ) كلى جنوب والمعروفة باسم “خلية الردع”، والمليئة بالثغرات القانونية التي لا تخفى على أحد والتي أثبتها محامِ الطالب في جلسات المرافعة، فالمتهمين الخمسة لا صلة تربطهم ببعضهم ولا إثبات على معرفتهم ببعضهم بل وتكوينهم خلية إرهابية، حيث اختطفوا جميعا من قبل قوات الأمن من أماكن مختلفة في معظم الأحيان كانت أماكن عملهم الطبيعية، فضلًا عن أن :
1- لا تلبّس ولا أحراز، حيث لم يتم ضبط أى من المتهمين متلبسًا، فضلا عن أن أحرز القضية والتي تتمثل في (فلاش ميموري – كتب – جهاز لوحي)، لا تمت للقضية بصلة، حيث لم تتمكن الأجهزة الأمنية من ضبط أى شئ غير قانوني بالأحراز المضبوطة.
2- وجد المحامون أن من قام بالتحريات هو ضابط واحد من جهاز أمن الدولة، على الرغم من أن التحريات وُجب عملها في 3 محافظات مختلفة، وهى (الدقهلية – شمال سيناء – العريش)، فكيف لضابط واحد أن يقوم بكل تلك التحريات ؟
3- لم يُنسب للمتهمين الخمسة في قضية “خلية الردع” أية أعمالٍ إرهابية واقعية، حتى يتم التعامل معها على أنها خلية إرهابية تقتضي الحكم على المتهمين بها بالإعدام، حيث تم اتهامهم بحيازة أسلحة وذخيرة غير مُرخصة رغم أن الأجهزة الأمنية لم تتمكن من ضبط أيا منها مع أحد من المتهمين، كما وتم اتهامهم أيضاً بالقتل العمد رغم أنه لم يكن هناك ضحايا من الأساس.
4- لا ضحايا، فعلامَ يُعاقب المتهمون إذا لم تكن هناكَ خسائر بشرية أو مادية ؟!
هذا عن الثغرات القانونية التي أثبتها المحامون في ساحة المحكمة، أما عن الثغرات والانتهاكات القانونية والإنسانية في فترة ما قبل المحكمات، فحدّث ولا حرج، حيث :
1-تم انتهاك المادة رقم (54) من الدستور المصري الحالي، والتي جاء في نصها أن :”فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق”، في حين قامت الأجهزة الأمنية باختطاف المتهمين الخمسة بشكل تعسفي مخالِف للقانون دون تصريح أو أمر قضائي مُسبب، ودون ضبط أىّ منهم متلبسًا، حيث إنهم جميعا تم اختطافهم من المطار أو من منزل أو مقر عمل.
2- تم انتهاك المادة رقم (1) من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي نصت على أنه :” لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”، حيث تعرض المتهمين الخمسة عقب اختطافهم للإخفاء القسري لمدد تتراوح بين أسبوع وأسبوعين، دون أن يتمكنوا من التواصل مع ذويهم أو معرفة مكان احتجازهم.
3- انتهاك آخر للمادة رقم (54) من الدستور المصري الحالي والتي جاء في نصها :”ويجب أن يُبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكٌن من الإتصال بذويه و بمحاميه فورا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته،ولا يبدأ التحقيق معه إلا فى حضور محاميه “، وكأن هذه المواد لم توضع إلا ليتم خرقها بهذا الشكل الفجّ، حيث تم احتجاز المتهمين الخمسة لمدد تتجاوز 10 أضعاف المدة التي أقرها القانون، دون عرضهم على أى جهة تحقيق قانونية، كما تم التحقيق معهم بواسطة ضباط من جهاز أمن الدولة في ظروف قاسية وغير قانونية ودون انتداب محام لهم، بل وتم عرضهم على النيابة العامة دون محامِ وتحت ضغوط وتهديدات للاعتراف بما لم يتورطوا به.
4- تم انتهاك المادة رقم (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي نصت على أن :”لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة”،
وفي نفس الموضع قامت الأجهزة الأمنية بانتهاك صارخ بحق المادة رقم (55) من الدستور المصري الحالي والتي جاء في نصها :”كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا”، حيث سعت الأجهزة الأمنية بكل ما أوتيت من قوة إلى خرق هذه المواد، حيث تعرض المتهمون الخمسة إلى عمليات ممنهجة من التعذيب النفسي والبدني، بدءًا من الإهانات اللفظية، والاعتداء عليهم بالضرب المبرح، وحتى الصعق بالكهرباء في مختلف أنحاء الجسد، وقد قام كل متهم من المتهمين الخمسة بإرسال رسالة من محبسه يروي بها تفاصيل ما تعرض له من انتهاكات جسيمة منذ لحظة اختطافه، وفيما يلي نستعرض رسالة الطالب “عبدالرحمن بيومي” :
5- انتهاك آخر للمادة رقم (54) من الدستور المصري الحالي والتي جاء في نصها :”ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحياً”، هذه المادة لم يكن لها أى مكان في أذهان الأجهزة الأمنية والتي قامت باحتجاز المتهمين الخمسة منذ اختطافهم بزنازين انفرادية بلا تهوية أو دورة مياه، مما أدى إلى إصابة الطالب “عبدالرحمن بيومي” بمرض السكرىّ نتيجة لظروف الإحتجاز السيئة التي تعرض لها، مما يعد انتهاكًا صارخا لحقوق الإنسان، قبل أن يكون انتهاكًا بحق القوانين.
6- أما عن الانتهاك السادس فهو كفيلٌ بهدم القضية برمتها، حيث تستكمل المادة رقم (55) من الدستور المصري الحالي نصها كالآتي :”كل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم (أى تحت وطأة التعذيب أو الترهيب أو الإكراه)، أو التهديد بشيء منه، يُهدَر ولا يُعوّل عليه”، وهنا نجد أن هذه القضية في الأساس تقوم على أساس باطل، حيث أن اعترافات المتهمين بالإنضمام لما يُسمى بـِ “خلية الردع” جاءت جرّاء التعذيب الشديد، بل وتهديد الأجهزة الأمنية لهم بإيذاء زوجاتهم وأمهاتهم، مما أجبرهم على الاعتراف بما وجه إليهم من تهم للحفاظ على سلامتهم وسلامة عائلاتهم.
اليوم، الأحد الموافق 2015/6/21، تفصلنا أقل من 24 ساعة عن جلسة النطق بالحكم النهائي على الطالب “عبدالرحمن بيومي” وباقي المتهمين فيما يُسمى بـِ “خلية الردع”، ونحن بمرصد “طلاب حرية” نستنكر وبشدة أن يتم إنهاء حياة طالب جامعي دون الإستناد على أدلة موضوعية تستوجب إدانته، ومع وجود كل هذه الثغرات القانونية بالقضية، فضلا عن الاعترافات الصادرة تحت التعذيب والترهيب، كما نطالب السلطات الحالية بالتدخل لوقف هذا الحكم الغير قانوني، والسعى إلى مثول الطالب وباقي المتهمين أمام محاكمة عادلة تستند إلى القانون في إصدار أحكامها، كما ونطالب السلطات الحالية بفتح تحقيق عاجل في الانتهاكات التي تعرض لها الطالب منذ لحظة اختطافه، ومحاسبة المتورطين بها.
التعليقات