العاشر من ديسمبر 2015، أى بعد قرابة 67 عام من إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي جاء كأول وثيقة عالمية صاغها ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في هذا اليوم من عام 1948 كمعيار مشترك يُحدد – وللمرة الأولى – حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين على كافة الشعوب والأمم حمايتها، كالحق في الحياة والسلامة الشخصية، والحق في الكرامة الإنسانية، والحق في الحرية، وذلك من منطلق أن الحفاظ على كرامة الإنسان والاعتراف بحقوق أساسية متساوية وثابتة لكل البشر هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم وفقًا لما ورد بنص الديباجة المُعرِفة للإعلان، وعلى هذا كانت الدعوة للاحتفال بالعاشر من ديسمبر سنويا بوصفه يوم حقوق الإنسان، التي هى السبيل إلى الرقي المجتمعي بتحقيق معايير الأمن والعدل والمساواة.

وفي ذات الوقت الذي تقوم فيه دول العالم بحملات وفعاليات للاحتفال بيوم حقوق الإنسان والسعي لبحث سُبلٍ أوسع لتطبيقها، نجد أن الوضع في مصر يختلف كل الاختلاف، فعلى الرغم من مشاركة مصر في وضع المسودة الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو ما يعني التصديق على نصوصه والإقرار الضمني بأن تكفل الدولة المصرية الحقوق المنصوص عليها في الإعلان لكل فرد، إلا أن الواقع جاء مغايرًا، حيث تدهور ملحوظ ومستمر في أوضاع حقوق الإنسان، وانتهاكات بالجملة للحقوق الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي من قبل مؤسسات الدولة المصرية المختلفة دون رقيب أو تدخل جاد من قبل السلطات المعنية للتحقيق في تلك الانتهاكات أو وقفها، وهو ما قام مرصد “طلاب حرية” برصده على مدار أكثر من عامين.

حيث رصد مرصد “طلاب حرية” العديد من الانتهاكات الصارخة التي تزايدت بشكل ملحوظ منذ تولي السلطات المصرية الحالية التي قامت بسنّ قوانين تعسفية وإصدار العديد من التشريعات التي قيّدت حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع تقييدًا شديدًا في خرق واضحٍ للمادتين رقم (19) و(20) من الإعلان العالمي، حيث ورد بالأولى أن لكل شخص حرية الرأي والتعبير، واعتناق الآراء والأفكار وإذاعتها، كما كفلت الثانية الحق في تكوين والانضمام إلى الجماعات السلمية، وعلى إثر تلك القوانين التعسفية، اشتدت القبضة القمعية بحق معارضي النظام من كافة الفئات، حيث قامت الأجهزة الأمنية المصرية بانتهاكٍ فجّ للمادة رقم (9) من الإعلان العالمي بارتكاب عشرات الآلاف من وقائع الاعتقال التعسفي التي لا تستند على أى اتهامات أو سنود قانونية وإنما تمت كإجراء تعسفي لقمع معارضي النظام، وقد تمكن مرصد “طلاب حرية” – خلال 28 شهر فقط – في أعقاب الثالث من يوليو من عام 2013 من رصد عدد (5032) حالة اعتقال تعسفي بحق طلاب الجامعات والمعاهد المصرية، وحتى اللحظة الحالية لا يزال أكثر من 3000 طالب محتجزين في السجون المصرية على خلفية اتهامات تستند في أساسها على انتماءاتهم السياسية والأيدولوجية.

وتواترت الخروقات بحق مواد الإعلان العالمي من قبل السلطات المصرية، حيث رصد مرصد “طلاب حرية” خلال المدة السالف ذكرها عدد (487) حالة إخفاء قسري بحق طلاب وطالبات الجامعات والمعاهد المصرية في انتهاكٍ للمواد رقم (3)، و(6)، و(9) من الإعلان العالمي اللاتي ورد بهن تجريم واضح لأى شكل من أشكال الاحتجاز التعسفي الذي يسلب حق الفرد في الاتصاف بشخصية قانونية تكفل له حقوقه وسلامته الشخصية، وجاءت جرائم  الإخفاء القسري في مصر كجرائم مركبة مصحوبة بجرائم لا تقل عنها انتهاكًا لحقوق الإنسان، كجريمة التعذيب التي تم تجريمها بشكل قطعي وواضح في نص المادة رقم (5) من الإعلان العالمي، وهو تجريم لم تلقِ له الأجهزة الأمنية المصرية له بالًا، وذلك وفقا لمئات من حالات التعذيب التي قام مرصد “طلاب حرية” برصدها وتوثيق العديد منها، والتي كان نتاجها عدد (6) طلاب تم قتلهم على يد الأجهزة الأمنية المصرية نتيجة لعمليات التعذيب الممنهجة التي تعرضوا لها عقب اعتقالهم.

كما كان من أبرز الجرائم التي قامت بها الأجهزة الأمنية المصرية خلال العامين الماضيين، جرائم القتل خارج إطار القانون التي لم تنتهك فقط بل وسلبت الحق في الحياة والذي هو حق أساسي ورد بالمادة رقم (3) من الإعلان العالمي، حيث قام مرصد “طلاب حرية” برصد عدد (245) واقعة قتل خارج إطار القانون بحق طلاب الجامعات والمعاهد المصرية، والتي صحبها تفشٍ لسياسة الإفلات من العقاب بامتناع جهات التحقيق المصرية عن اتخاذ أي إجراء جاد في التحقيق في تلك الوقائع وفقا للقانون، وهو ما كان شاهدًا مؤسفًا على مقدار التدهور في أوضاع حقوق الإنسان في مصر وعلى تواطئ مؤسسات الدولة المختلفة في التستر على هذا التدهور.

أيضا شهد العامين الماضيين توسعًا ملحوظا بشأن مثول معارضي النظام أمام محاكم غير عادلة ذات ظروف استثنائية كالمحاكم العسكرية، حيث قام مرصد “طلاب حرية” برصد عدد (300) قرار بحق طلاب الجامعات المصرية يقضي بإحالتهم إلى المحاكم العسكرية، وذلك على إثر قيام  السلطات المصرية بإصدار تشريعات تجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية الاسثنائية، وهو ما وُصف بأنه “غطاءٌ” للإجراءات القمعية التي تنتهجها السلطات المصرية بحق معارضيها لما تحمل تلك التشريعات من مخالفات واضحة لكافة القوانين الدولية التي جرمت مثول أى شخص أمام محاكم استثنائية، وعلى رأسها الإعلان العالمي التي نصّت المادة رقم (10) منه على أن “لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة”.

وفي انتهاك آخر بحق مواد حقوق الإنسان، تحديدًا بحق المادة رقم (26)، تم – وفقا لما قام مرصد “طلاب حرية” برصده – حرمان عدد (1064) طالب وطالبة من حقهم في التعلّم بإصدار قرارت فصل مُسيسة بحقهم من قبل الإدارات الجامعية في أنحاء الجمهورية، دون جرائم حقيقة أو أدلة تُثبتها، وإنما على خلفية انتماءاتهم السياسية والأيدولوجية أو على خلفية ممارستهم حقهم المكفول في التعبير عن الرأى ومعارضة النظام.

وإن مرصد “طلاب حرية” يؤكد على إدانته لتلك الانتهاكات بحق الطلاب في مصر أولًا، وبحق القوانين والمواثيق الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ثانيًا، كما يؤكد المرصد على خطورة تلك الانتهاكات التي تأتي على أولى الحقوق الأساسية المكفولة لكل شخص، دون سبيل أو تحرك جاد لوقفها، وهو ما قد يؤدي بالأفراد المسلوبة حقوقهم إلى الانجرار إلى العنف في حال فقدان منظومة العدالة جدواها ومصداقيتها، كما ويطالب مرصد “طلاب حرية” الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية والمحلية ومؤسسات المجتمع الدولي ذات العلاقة بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في مصر، والتكاتف لوقف الانتهاكات المستمرة وإلزام السلطات المصرية بتطبيق القوانين، وفتح تحقيقات عاجلة في الجرائم المختلفة التي يرتكبها النظام المصري.

لتحميل نسخة من البيان من  هنا .